فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (58):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
{الصدقات}
(58)- وَمِنَ المُنَافِقِينَ مَنْ يَعِيبُ عَلَيْكَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ وَالمَغَانِمِ، إِذْ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تُحَابِي فِيهَا، وَتُؤْتِي مَنْ تَشَاءُ مِنَ الأَقَارِبِ وَأَهْلِ الْمَوَدَّةِ، وَلا تُرَاعِي العَدْلَ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ لا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سُخْطاً لِلدِّينِ، وَلا غَيْرَةً عَلَى مَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَهُ سَعياً وَرَاءَ مَنْفَعَتِهِم الخَاصَّةِ، فَإِذَا أُعْطُوْا مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، وَلَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، رَضُوا القِسْمَةَ، وَاسْتَحْسَنُوهَا، وَأَثْنُوا عَلَى فِعْلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا مَا يُرْضِيهِمْ، سَخِطُوا، وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُسْتَحِقِّينَ لِلْعَطَاءِ.
يَلْمِزُكَ- يَعِيبُكَ وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}
{آتَاهُمُ} {رَاغِبُونَ}
(59)- وَيُعَلِّمُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ أَدَبَ الإِيمَانِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ لَوْ رَضُوا بِمَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَقَنِعُوا بِذَلِكَ، وَفَرِحُوا بِهِ، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَكِيلاً، وَرَازِقاً فِي كُلِّ حَالٍ، وَسَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَرَسُولُهُ لا يَبْخَسُ أَحَداً مِنَّا شَيْئاً يَسْتَحِقُّهُ فِي شَرْعِ اللهِ، وَإِنَّا رَاغِبُونَ إِلَى اللهِ العَلِيِّ الْقَدِيرِ، لَكَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَهُمْ مِنَ الطَّمَعِ وَلَمْزِ الرَّسُولِ وَهَمْزِهِ.
حَسْبُنا اللهُ- كَافِينا فَضْلُ اللهِ وَقِسْمَتُه.

.تفسير الآية رقم (60):

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}
{الصَّدَقَاتُ} {المساكين} {العاملين} {الغارمين}
(60)- لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى اعْتِرَاضِ المُنَافِقِينَ الجَهَلَةِ، وَلَمْزَهُمُ النَّبِيَّ الكَرِيمَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ (أَمْوَالِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ)، بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الذِي قَسَّمَهَا، وَبَيَّنَ حُكْمَهَا، وَتَوَلَّى أَمْرَهَا بِنَفْسِهِ الكَرِيمَةِ، وَلَمْ يَكِلْ قِسْمَتَهَا إِلَى أَحَدٍ غَيْرِه، فَجَزَّأَهَا لِهَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ فِي الآيَةِ. وَهُمْ:
الفُقَرَاءَ- وَهُمْ مَنْ لَهُمْ مَالٌ قَلِيلٌ دُونَ النِّصَابِ أَيْ أَقَلَّ مِنْ 12 دِينَاراً.
المَسَاكِينَ- وَهُمُ الَّذِينَ لا شَيْءَ لَهُمْ، وَهُمْ لا يَجِدُونَ غِنىً يُغْنِيهِمْ، وَلا يُفْطَنُ إِلَيْهِمْ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ، وَلا يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيْئاً.
العَامِلُونَ عَلَيْهَا- وَهُمْ السُّعَاةُ وَالْجُبَاةُ بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونُوا مِنْ أَقْرِبَاءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ أَقْرِبَاءَ الرَّسُولِ لا تَجُوزُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ.
المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ- وَهُمْ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَي لِيُسْلِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَي لِيَحْسُنَ إِسْلامُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَي لِيَجْبِيَ الصَّدَقَاتِ مِمَّنْ يَلِيهِ.
الرِّقَابِ- هُمُ العَبِيدُ المُكَاتَبُونَ الذِينَ يُرِيدُونَ أَدَاءَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَرِيضَةٍ لإعْتَاقِهِمْ (أَوْ تَعْنِي صَرْفَ جُزْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ فِي إِعْتَاقِ رِقَابٍ).
الغَارِمُونَ- كَمَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، أَوْ ضَمِنَ دَيْناً فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فَأَجْحَفَ بِمَالِهِ، أَوْ غَرِمَ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ فِي مَعْصِيةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْهَا، فَهَؤُلاءِ يُدْفَعُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ.
فِي سَبِيلِ اللهِ- هُمُ الغُزَاةُ المُجِاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ مَنَ أَرَادَ الحَجَّ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ.
أَبْنَاءِ السَّبِيلِ- هُمُ المُسَافِرُونَ المُجْتَازُونَ فِي بَلَدٍ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى سَفَرِهِمْ، وَلا يَتَيَسَّرُ لَهُمْ إِحْضَارُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَلَدِهِمْ، فَيُعْطَوْنَ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مَا يَكْفِي لِنَفَقَتِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
{آمَنُواْ}
(61)- وَمِنَ المُنَافِقِينَ قَوْمٌ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ بِالكَلامِ فِيهِ، وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَمَنْ قَالَ لَهُ شَيْئاً صَدَّقَهُ، وَمَنْ حَدَّثَهُ بِشَيْءٍ صَدَّقَهُ، فَإِذَا جِئْنَا وَحَدَّثْنَاهُ وَحَلَفْنَا لَهُ صَدَّقَنَا.
فَقُلْ لَهُمْ: هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنَ الكَاذِبِ، وَلا يَقْبَلُ مِمَّا يَسْمَعُ إِلا مَا يَعُدُّه حَقّا، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الخَلْقِ، وَلَيْسَ هُوَ بِأُذُنٍ فِي سَمَاعِ البَاطِلِ وَالكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ، إِنَّهُ يُؤْمِنُ بِاللهِ، وَيُصَدِّقُ المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَثِقُ بِدِينِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الكَافِرِينَ. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ بِالقَوْلِ أَوْ بِالعَمَلِ قَدْ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي الآخِرَةِ.
هُوَ أُذُن- يَسْمَعُ كُلَّ مَا يُقَالُ لَهُ وَيُصَدِّقُهُ.
أُذُنُ خَيْرٍ- يَسْمَعُ الخَيْرَ وَلا يَسْمَعُ الشَّرَّ.

.تفسير الآية رقم (62):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)}
(62)- قَالَ رَجُلٌ مِنَ المُنَافِقِينَ عَنْ رُؤَسَاءِ المُنَافِقِينَ، الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَنَزَلَ فِيهِمْ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَخِيَارُنَا وَأَشْرَافُنَا، وَإِذَا كَانَ مَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ حَقّاً، لَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ). فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّداً لا يَقُولُ إِلا حَقّاً، وَلأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الحِمَارِ. ثُمَّ ذَهَبَ المُسْلِمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ يُحَدِّثُهُ بِمَا جَرَى. فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى المُنَافِقِ وَسَأَلَهُ، وَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا قُلْتَ؟ فَأَخَذَ المُنَافِقُ يَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّهُ مَا قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ: اللَّهُمَّ صَدِّقِ الصَّادِقَ، وَكَذِّبْ الكَاذِبَ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ الْكَرِيمَةَ.
فَهَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَالُوا مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِمَّا يُورِثُ أَذَى النَّبِيِّ لِيُرْضُوكُمْ، فَلا تُخْبِرُوا النَّبِيَّ، مَعْ أَنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ أَحَقُّ بِالإِرْضَاءِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، لأنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ. وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.

.تفسير الآية رقم (63):

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
{خَالِداً}
(63)- أَلا يَعْلَمُ هَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ أَنَّ مَن شَاقَّ اللهَ وَرَسُولَهُ بِتَعَدِّي حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَحَارَبَهُمَا وَخَالَفَهُمَا، وَلَمَزَ رَسُولَ اللهِ فِي أَعْمَالِهِ وَأَخْلاقِهِ، فَإِنَّهُ سَيَصْلَى نَارَ جَهَنَّمَ، وَيَبْقَى خَالِداً فِيهَا، وَهَذا هُوَ الذُّلُ العَظِيمُ، وَالشَّقَاءُ الكَبِيرُ.
المُحَادَدَةُ- المُشَاقَقَةُ وَالمُخَالَفَةُ وَالمُعَادَاةُ.

.تفسير الآية رقم (64):

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)}
{المنافقون} {استهزءوا}
(64)- كَانَ المُنَافِقُونَ يَقُولُونَ القَوْلَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ عَسَى اللهُ أَنْ لا يَفْشِي عَلَيْنَا سِرَّنَا هَذَا بِإِنْزَالِ آيَةٍ عَلَى رَسُولِهِ، تَفْضَحُ مَا قُلْنَاهُ.
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً: إِنَّهُ سَيُخْرِجُ مَا يَحْذَرُونَ لِيَعْلَمَهُ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَلْيَسْتَهْزِئُوا مَا شَاؤُوا.
وَخَوْفُ المُنَافِقِينَ مِنَ الْفَضِيحَةِ، وَمِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، همُا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ، لأَنَّهُمْ مُذَبْذَبُونَ، لا هُمْ مَعَ المُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ، وَلا هُمْ بِالكَافِرِينَ الجَازِمِينَ بِصِحَّةِ الكُفْرِ.

.تفسير الآية رقم (65):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}
{وَلَئِن} {آيَاتِهِ} {تَسْتَهْزِءُونَ}
(65)- حِينَمَا كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُنْطَلِقاً فِي الطَّرِيقِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ بَعْضُ المُنَافِقِينَ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جَلادَ بَنِي الأَصْفَر (يَعْنِي الرُّوم) كَقِتَالِ العَرَبِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً، وَاللهِ لَكَأَنَّنَا بِكُمْ غَداً مُقْرَّنِينَ فِي الحِبَالِ؟ وَكَانَ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ هَذَا القَوْلَ إِرْجَافاً، وَتَرْهِيباً لِلْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَدْرِكِ القَوْمَ فَقَدِ احْتَرَقُوا، فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلَى قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا.. فَقَالَ لَهُمْ عَمَّارُ ذَلِكَ فَأَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَقَالَ أَحَدُهُمْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. أَيْ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا جَادِّينَ فِيمَا يَقُولُونَ، وَإِنَّمَا قَالُوا مَا قَالُوا لِلتَّسَلِّيِ وَالتَّلَهِّي، وَفِي ظَنِّهِمْ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مَقْبُولٌ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اتِخَاذَ الدِّينِ هَزْواً وَلِعِباً كُفْرٌ مَحْضٌ، لأنَّ الخَوْضَ وَالَّلعِبَ فِي صِفَاتِ اللهِ، وَشَرْعِهِ وَآيَاتِهِ، المُنْزَّلَةِ هُوَ اسْتِهْزَاءٌ بِهَا.
نَخُوضُ وَنَلْعَبُ- نَتَلَهَّى بِالْحَدِيثِ قَطْعاً لِلطَّرِيقِ.
وَالخَوْضِ لُغَةً- هُوَ الدُّخُولُ فِي البَحْرِ أَوْ الوَحْلِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي البَاطِلِ.

.تفسير الآية رقم (66):

{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}
{إِيمَانِكُمْْ} {طَآئِفَةٍ}
(66)- يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ: لا تَعْتَذِرُوا عَمَّا قُلْتُمْ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ بِهَذَا القَوْلِ الذِي اسْتَهْزَأْتُمْ بِهِ بِآيَاتِ اللهِ. وَاعْتِذَارُكُمْ هُوَ إِقْرَارٌ بِذَنْبِكُمْ، فَإنْ يَعْفُ اللهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِكُمْ لِتَوْبَتِهِمْ، فَإِنَّهُ سَيُعَذِّبُ بَعْضاً آخَرَ لأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ بِهَذِهِ المَقَالَة الفَاجِرَةِ، وَلأَنَّهُمْ ظَلُّوا مُصِرِّينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (67):

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)}
{المنافقون} {والمنافقات} {المنافقين} {الْفَاسِقُونَ}
(67)- إِنَّ أَهْلَ النِفَاقِ رِجَالاً وَنِسَاءاً، يَتَشَابَهُونَ فِي صِفَاتِهِمْ وَأَخْلاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِفِعْلِ المُنْكَرِ، كَالكَذِبِ وَالخِيَانَةِ، وَإِخْلافِ الوَعْدِ، وَنَقْضِ العَهْدِ.. وَيَنْهَوْنَ عَنْ فِعْلِ الخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ: كَالجِهَادِ، وَبِذْلِ المَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَيَضِنُّونَ بِالإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ البِرِّ وَالطَّاعَاتِ وَالإِحْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ.. وَقَدْ نَسُوا أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَاتَّبَعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ، فَجَازَاهُمُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ لُطْفِهِ وَتَوْفِيِقِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنَ الثَّوَابِ فِي الآخِرَةِ.
وَالمُنَافِقُونَ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ فُسُوقاً، وَخُرُوجاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَانْسِلاخاً مِنَ الفَضَائِلِ الفِطْريَّةِ السَّلِيمَةِ.
يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ- لا يَبْسُطَونَ أَيْدِيَهُمْ فِي خَيْرٍ وَلا فِي طَاعَةٍ شُحّاً.
فَنَسِيَهُمْ- فَتَرَكَهُمْ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}
{الْمُنَافِقِينَ} {المنافقات} {خَالِدِينَ}
(68)- وَقَدَ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارِ نَارَ جَهَنَّمَ، وَوَعَدَهُمْ بِهَا عَلَى سُوْءِ صَنِيعِهِمْ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَسَيَمْكُثُونَ فِيهَا مُخَلَّدِينَ أَبَداً، وَلَهُمْ فِيهَا مِنَ الجَزَاءِ وَالعَذَابِ مَا يَكْفِيهِمْ (حَسْبُهُمْ)، وَلَعَنَهُمْ اللهُ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلَهُمْ عَذَابُ مُقِيمٌ دَائِمٌ غَيْرَ عَذَابِ جَهَنَّمَ: كَالسَّمُومِ يَلْفَحَ وَجوهَهُمْ، وَالحَمِيمِ يَصْهَرُ مَا فِي بُطُونِهِمْ.
هِيَ حَسْبُهُمْ- هِيَ كَافِيَةٌ لَهُمْ عِقَاباً عَلَى كُفْرِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (69):

{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)}
{أَمْوَالاً} {وَأَوْلاداً} {بِخَلاقِهِمْ} {أولئك} {أَعْمَالُهُمْ} {والآخرة} {الخاسرون} {بِخَلاقِهِمْ}
(69)- إِنَّ حَالَكُمْ أَيُّهَا المُنَافِقُونَ المُؤذُونَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، كَحَالِ المُنَافِقِينَ السَّالِفِينَ مِنْ أَقْوَامِ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، فُتِنْتُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ، وَغَرَّتْكُمُ الدُّنْيا كَمَا فُتِنُوا وَاغْتَرُّوا بِهَا، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً، وَأَكَثْرَ مِنْكُمْ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً، وَقَدْ كَانَ هَمّهُمْ التَمَتُّعَ بِالحَيَاةِ، وَأَخْذَ نَصِيبِهِمْ مِنْ نَعِيمِهَا وَمَبَاهِجِهَا، فَأَطْغَتْهُمُ الدُّنْيا. وَغَرَّتُهْمْ لَذَّاتُهَا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ غَايَاتٌ سَامِيَّةٌ كَالَّتِي يَقْصِدُهَا المُؤْمِنُونَ: كَالإِيمَانِ بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَإِعْلاءِ كَلِمَةِ الحَقِّ، وَتَرْسِيخِ العَدْلِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهِيِ عَنِ المُنْكَرِ.. وَقَدْ سَلَكْتُمْ أَيُّهَا المُنَافِقُونَ سَبِيلَهُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ بِنَصِيبِكُمْ مِنَ الحَيَاةِ، وَلَمْ تُفَضَّلُوا عَلَى مَنْ سَبَقَكُمْ بِشَيءٍ، مَعْ أَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَا رَأَيْتُمْ، وَجَائَكُمُ الهُدَى فَلَمْ تَهْتَدُوا، فَكُنْتُمْ أَحَقَّ بِالعِقَابِ مِنْهُمْ، وَقَدْ دَخَلْتُمْ فِي البَاطِلِ، وَخُضْتُمْ فِيهِ، كَمَا فَعَلَ مَنْ سَبَقُوكُمْ، مَعْ أَنَّ حَالَكُمْ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونُوا أَهْدَى مِنْهُمْ سَبِيلاً.
وَهَؤُلاءِ المُسْتَمْتِعُونَ بِخَلاقِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَالخَائِضُونَ فِي البَاطِلِ، حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَبَطلَتْ، فَلا ثَوَابَ لَهُمْ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لأَنَّهَا فَاسِدَةٌ. وَمِثلُ هَؤُلاءِ هُمُ الخَاسِرُونَ لأَنَّهُمْ لا ثَوَابَ لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ.
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ- فَتَمَتَّعُوا بِنَصِيبِهِمْ مِنْ مَلاذ الدُّنْيا.